فصل: قال ابن الجوزي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها}
قرأ يعقوب، والقزاز عن عبد الوارث: {عَشْرٌ} بالتنوين، {أمثالُها} بالرفع.
قال ابن عباس: يريد من عَمِلَها، كتبت له عشر حسنات {ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا} جزاء {مثلها} وفي الحسنة والسيئة هاهنا قولان:
أحدهما: أن الحسنة قول لا إله إلا الله.
والسيئة: الشرك، قاله ابن مسعود، ومجاهد، والنخعي.
والثاني: أنه عام في كل حسنة وسيئة.
روى مسلم في صحيحه من حديث أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يقول الله عز وجل: من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها أو أَزِيدُ، ومن جاء بالسيئة فجزاء سيئة مثلها أو أَغْفِر» فإن قيل: إذا كانت الحسنة كلمة التوحيد، فأي مثل لها حتى يجعل جزاءُ قائلها عشر أمثالها؟ فالجواب: أن جزاء الحسنة معلوم القدر عند الله، فهو يجازي فاعلها بعشر أمثاله، وكذلك السيئة.
وقد أشرنا إلى هذا في (المائدة) عند قوله: {فكأنما قتل الناس جميعًا} [المائدة: 32] فإن قيل: المثل مذكَّر، فلم قال: {عشر أمثالها} والهاء إنما تسقط في عدد المؤنث؟ فالجواب: أن الأمثال خلقت حسنات مؤنثة، وتلخيص المعني: فله عشر حسنات أمثالها، فسقطت الهاء من عشر، لأنها عدد مؤنَّث، كما تسقط عند قولك: عشر نعال، وعشر جباب. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {مَن جَاءَ بالحسنة}
ابتداء، وهو شرط، والجواب {فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} أي فله عشر حسنات أمثالها؛ فحذفت الحسنات وأُقيمت الأمثال التي هي صفتها مقامها؛ جمع مِثْل.
وحكى سيبويه: عندي عشرة نسّابات، أي عندي عشرة رجال نسّابات.
وقال أبو عليّ: حَسُن التأنيث في {عَشْرُ أَمْثَالِهَا} لما كان الأمثال مضافًا إلى مؤنّث، والإضافة إلى المؤنث إذا كان إياه في المعنى يحسن فيه ذلك؛ نحو {تَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ}.
وذهبت بعض أصابعه.
وقرأ الحسن وسعيد بن جُبير والأعمش {فله عَشْرٌ أمثالها}.
والتقدير: فله عشر حسنات أمثالها، أي له من الجزاء عشرة أضعاف مما يجب له.
ويجوز أن يكون له مثل، ويضاعف المِثل فيصير عشرة.
والحسنة هنا: الإيمان.
أي من جاء بشهادة أن لا إله إلاَّ الله فله بكل عملٍ عمِله في الدنيا من الخير عشرة أمثاله من الثواب.
{وَمَن جَاءَ بالسيئة} يعني الشرك {فَلاَ يجزى إِلاَّ مِثْلَهَا} وهو الخلود في النار؛ لأن الشرك أعظم الذنوب، والنار أعظم العقوبة؛ فذلك قوله تعالى: {جَزَاءً وِفَاقًا} [النبأ: 26] يعني جزاء وافق العمل.
وأما الحسنة فبخلاف ذلك؛ لنص الله تعالى على ذلك.
وفي الخبر: «الحسنة بعشر أمثالها وأَزِيد والسيئة واحدة وأغفر فالويل لمن غلبت آحادُه أعشارَه» وروى الأعمش عن أبي صالح قال: الحسنة لا إله إلاَّ الله والسيئة الشرك.
{وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ} أي لا ينقص ثواب أعمالهم.
وقد مضى في البقرة بيان هذه الآية.
وأنها مخالفة للإنفاق في سبيل الله؛ ولهذا قال بعض العلماء: العشر لسائر الحسنات؛ والسبعمائة للنفقة في سبيل الله، والخاص والعام فيه سواء.
وقال بعضهم: يكون للعوامّ عشرة وللخواص سبعمائة وأكثر إلى ما لا يحصى؛ وهذا يحتاج إلى توقيف.
والأوّل أصح؛ لحديث خُريم بن فاتك عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، وفيه: «وأما حسنة بعشر فمن عَمِل حسنة فله عشر أمثالها وأما حسنة بسبعمائة فالنفقة في سبيل الله». اهـ.

.قال الخازن:

قوله تعالى: {من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها} يعني مثلها في مقابلتها واختلفوا في هذه الحسنة والسيئة على قولين.
أحدهما: أن الحسنة قول لا إله لا الله والسيئة هي الشرك بالله، وأورد على هذا القول: إن كلمة التوحيد لا مثل لها حتى يجعل جزاء قائلها عشر أمثالها وأجيب عنه بأن جزاء الحسنة قدر معلوم عند الله فهل يجازى على قدر إيمان المؤمن بما يشاء من الجزاء وإنما قال عشر أمثالها للترغيب في الإيمان لا للتحديد وكذلك جزاء السيئة بمثلها من جنسها.
والقول الثاني: إن اللفظ عام في كل حسنة يعملها العبد أو سيئة، وهذا أولى.
لأن حمل اللفظ على العموم أولى قال بعضهم: التقدير بالعشرة ليس التحديد لأن الله يضاعف لمن يشاء في حسناته إلى سبعمائة ويعطي من يشاء بغير حساب وإعطاء الثواب لعامل الحسنة فضل من الله تعالى هذا مذهب أهل السنة وجزاء السيئة بمثلها عدل منه سبحانه وتعالى وهو قوله تعالى: {وهم لا يظلمون} يعني لا ينقص من ثواب الطائع ولا يزاد على عذاب العاصي (ق) عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أحسن أحدكم إسلامه فكل حسنة يعملها تكتب له بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف وكل سيئة يعملها تكتب له بمثلها حتى يلقى الله تعالى» (م) عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يقول الله تبارك وتعالى من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها وأزيد من جاء بالسيئة فجزاء سيئة مثلها أو أغفر ومن تقرب مني شبرًا تقربت منه ذراعًا ومن تقرب مني ذراعًا تقربت منه باعًا ومن أتاني يمشي أتيته هرولة ومن لقيني بقراب الأرض خطيئة بعد أن لا يشرك بي شيئًا لقيته بمثلها مغفرة» (ق) عن أبي هريرة رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يقول الله تبارك وتعالى وإذا أراد عبدي أن يعمل سيئة فلا تكتبوها عليه حتى يعملها فإن عملها فاكتبوها بمثلها وإن ترك من أجلي فاكتبوها له حسنة وإذا أراد أن يعمل حسنة فلم يعملها فاكتبوها له حسنة فإن عملها فاكتبوها له بعشر أمثالها إلى سبعمائة» لفظ البخاري وفي لفظ مسلم عن محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «قال الله تبارك وتعالى إذا تحدث عبدي بأن يعمل حسنة فأنا أكتبها له حسنة ما لم يعملها فإذا عملها فأنا أكتبها له بعشر أمثالها وإذا تحدث عبدي بأن يعمل سيئة فأنا أغفرها له ما لم يعملها فإذا عملها فأنا أكتبها له بمثلها».
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قالت الملائكة رب ذاك عبدك يريد أن يعمل سيئة وهو أبصر به فقال: ارقبوه فإن عملها فاكتبوها له بمثلها وإن تركها فاكتبوها له حسنة فإنما تركها من أجلي» زاد الترمذي: من جاء بالحسنة فله عشرة أمثالها. اهـ.

.قال أبو حيان:

{من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها وهم لا يظلمون}
روى الخدري وابن عمر أنها نزلت في الأعراب الذين آمنوا بعد الهجرة ضوعفت لهم الحسنة بعشر وضوعف للمهاجرين تسعمائة ذكره ابن عطية.
وقال: يحتاج إلى إسناد يقطع العذر؛ انتهى.
ولما ذكر أنه ينبئهم بفعلهم ذكر كيفية المجازاة ولما كان قوله: {إن الذين فرقوا} مشعرًا بقسيمة ممن ثبت على دينه قسم المجازين إلى جاء بحسنة وجاء بسيئة، وفسرت الحسنة بالإيمان وعشر أمثالها تضعيف أجوره أي ثواب عشر أمثالها في الجنة، وفسرت السيئة بالكفر ومثلها النار وهذا مروي عن الخدري وابن عمر.
وقال ابن مسعود ومجاهد والقسم بن أبيّ بزة وغيرهم: الحسنة هنا لا إله إلا الله والسيئة الكفر، والظاهر أن العدد مراد.
وقال الماتريدي: ليس على التحديد حتى لا يزاد عليه ولا ينقص منه بل على التعظيم لذلك إذ هذا العدد له خطر عند الناس أو على التمثيل كقوله: {كعرض السماء والأرض} وقال: {من جاء} ولم يقل من عمل ليعلم أن النظر إلى ما ختم به وقبض عليه دون ما وجد منه من العمل فكأنه قال: من ختم له بالحسنة وكذلك السيئة؛ انتهى.
وأنث عشرًا وإن كان مضافًا إلى جمع مفرد مثل وهو مذكر رعيًا للموصوف المحذوف، إذ مفرده مؤنث والتقدير فله عشر حسنات أمثالها ونظيره في التذكير مررت بثلاثة نسابات راعى الموصوف المحذوف أي بثلاثة رجال نسابات.
وقيل: أنث عشرًا وإن كان مضافًا إلى ما مفرده مذكر لإضافة أمثال إلى مؤنث وهو ضمير الحسنة كقوله: {يلتقطه بعض السيارة} قاله أبو عليّ وغيره.
وقيل: الحسنة والسيئة عامان وهو الظاهر وليسا مخصوصين بالكفر والإيمان ويكون {ومن جاء بالسيئة} مخصوصًا بمن أراد الله تعالى وقضى بمجازاته عليها، ولم يقض أن يغفر له وكونه له عشر أمثالها لا يدل على أنه يزاد إن كان مفهوم العدد قويًا في الدلالة إذ تكون العشر هي الجزاء على الحسنة وما زاد فهو فضل من الله كما قال والله يضاعف لمن يشاء.
وقرأ الحسن وابن جبير وعيسى بن عمر والأعمش ويعقوب والقزاز عن عبد الوارث عشر بالتنوين أمثالها بالرفع على الصفة لعشر ولا يلزم من المثلية أن يكون في النوع بل يكتفي أن يكون في قدر مشترك، إذ النعيم السرمدي والعذاب المؤبد ليسا مشتركين في نوع ما كان مثلًا لهما لكن النعيم مشترك مع الحسنة في كونهما حسنتين والعذاب مشترك مع السيئة في كونهما يسوءان، وظاهر من جاء العموم.
وقيل: يختص بالأعراب الذين أسلموا كما ذكر في سبب النزول.
وقيل: بمن آمن من الذين فرقوا دينهم.
وقيل: بهذه الأمة وهي أدنى المضاعفة.
وقيل: العشر على بعض الأعمال والسبعون على بعضها {وهم لا يظلمون} لا ينقص من ثوابهم ولا يزاد في عقابهم. اهـ.

.قال الألوسي:

{مَن جَاء بالحسنة} استئناف مبين لمقادير أجزية العاملين وقد صدر ببيان أجزية المحسنين المدلول عليهم بذكر أضدادهم أي من جاء من المؤمنين بالخصلة الواحدة من خصال الطاعة أي خصلة كانت، وقيل: التوحيد ونسب إلى الحسن وليس بالحسن {فَلَهُ عَشْرُ} حسنات {أمثالها} فضلًا من الله تعالى.
وقرأ يعقوب {عَشَرَ} بالتنوين {أمثالها} بالرفع على الوصف، وهذا أقل ما وعد من الأضعاف، وقد جاء الوعد بسبعين وسبعمائة وبغير حساب، ولذلك قيل: المراد بالعشر الكثرة لا الحصر في العدد الخاص.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي هريرة وأبو الشيخ عن ابن عباس وعبد بن حميد وغيره عن ابن عمر أن الآية نزلت في الأعراب خاصة، وأما المهاجرون فالحسنة مضاعفة لهم بسبعمائة ضعف، والظاهر العموم.
وتجريد {عَشَرَ} من التاء لكون المعدود مؤنثًا كما أشرنا إليه لكنه حذف وأقيمت صفته مقامه، وقيل: إنه المذكور إلا أنه اكتسب التأنيث من المضاف إليه.
{وَمَن جَاء بالسيئة} كائنًا من كان من العالمين {فَلاَ يجزى إِلاَّ مِثْلَهَا} بحكم الوعد واحدة بواحدة، وإيجاب كفر ساعة عقاب الأبد لأن الكافر على عزم أنه لو عاش أبدًا لبقي على ذلك الاعتقاد أبدًا {وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ} بنقص الثواب وزيادة العقاب.
فإن ذلك منه تعالى لا يعد ظلمًا إذ له سبحانه أن يعذب المطيع ويثيب العاصي، وقيل: المعنى لا ينقصون في الحسنات من عشر أمثالها وفي السيئة من مثلها في مقام الجزاء.
ومن المعتزلة من استدل بهذه الآية على إثبات الحسن والقبح العقليين، واختلف في تقريره فقيل: إنهم لما رأوا أن أحد أدلة الأشاعرة على النفي أن العبد غير مستبد في إيجاد فعله كما بين في محله فلا يحكم العقل بالاستقلال على ترتب الثواب والعقاب عليه قالوا: إن قوله سبحانه: {مَن جَاء بالحسنة} إلخ صريح في أن العبد مستبد مختار في فعله الحسن والقبيح، وإذا ثبت ذلك يثبت الحسن والقبح العقليان.
وأجيب عنه بأن الآية لا تدل على استبداد العبد، غاية ما فيها أنها تدل على المباشرة وهم لا ينكرونها، وقيل: إن الآية دلت على أن لله تعالى فعلًا حسنًا ولو كان حسن الأفعال لكونها مأمورة أو مأذونًا فيها لما كان فعل الله تعالى حسنًا إذ هو غير مأمور ولا مأذون، وأيضًا لو توقف معرفة الحسن والقبح على ورود الشرع لما كانت أفعاله تعالى حسنة قبل الورود وهو خروج عن الدين.
وأجيب أما عن الأول: فبأنا لا ندعي أنه لا حسن إلا ما أمر به أو أذن في فعله حتى يقال: يلزم أن تكون أفعال الله تعالى غير حسنة إذ يستحيل أن يكون مأمورًا بها أو مأذونًا فيها بل ما أمر الشارع بفعله أو أذن فيه فهو حسن ولا ينعكس كنفسه بل قد يكون الفعل حسنًا باعتبار موافقة الغرض أو باعتبار أنه مأمور بالثناء على فاعله، وبهذا الاعتبار كان فعل الله تعالى حسنًا سواء وافق الغرض أو خالف، وأما عن الثاني: فبأن الحسن والقبح وإن فسرا بورود الشرع بالمنع والإطلاق لكن لا نسلم أنه لا حسن ولا قبح إلا بالشرع حتى يلزمنا ذلك بل الحسن والقبح أعم مما ذكر كما عرف في موضعه، ولا يلزم من تحقق معنى الحسن والقبح بغير ورود الشرع بالمنع والإطلاق أن يكون داتيًا للأفعال، ولا يخفى على المطلع أن قولهم: لو كان حسن الأفعال إلخ وقولهم: لو توقف معرفة الحسن والقبح إلخ شبهتان مستقلتان من شبه عشر إلزامية ذكرها الآمدي في أبكار الأفكار وأن كلًا من التقريرين السابقين لا يخلو بعد عن نظر فتدبر. اهـ.